سورة التوبة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


المعذرون: المعتِذرين سواء كان العذر صحيحا ام غير صحيح الاعراب: سكان البادية نصحوا: اخلصوا.
{وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}.
كما تخلّف بعض المنافقين في المدينة عن الخروج للجهاد، جاء فريق من أهل البادية، ينتحلون الأعذارَ ليُؤذن لهم في التخلف، وقال بعضهم: يا نبي الله، إن غَزَوْنا معك أغارت طّيء على نسائنا وأولادنا وأنعامنا، فقال لهم رسول الله: قد أنبأَني اللهُ من أخباركم وسسُغني الله عنكم.
{وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ}.
وهؤلاء هم المنافقون. قعدوا عن كل من القتال والمجيء للاعتذار وتخلّفوا بلا عذرٍكاذبين على الله ورسوله.
{سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
سيكون جزاء الذين كفروا بكِذْبهم على اللهِ ورسولِه من المنافقين والكاذبين من المتعذرين، عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة.
قراءات:
قرأ يعقوب: {المعذرون} بسكون العين والذال المسكورة بدو تشديد.
وبعد أن بيّن الله تعالى أحوالَ المنافقين والكاذبين، وما ينتظرهم من عذاب، ذكر هنا ثلاثة أصناف أعذارُهم مقبولة، فالإسلام دين يُسْرٍ، ولا يكلّف الله نفساً الا وُسْعَها.
{لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ}.
ان التكليف بالغزو ساقِط عن أصناف ثلاثة:
1- الضعفاء: وهم من لا قوّة لهم تمكّنهم من الجهاد كالشيوخ المتقدمين في السنّ، والعجَزة، والصبيان وذوي العاهات التي لاتزول.
2- المرضى: وهم من أُصيبوا بأمراض أقعدتهم فلا يتمكّنون معها من الجهاد، ونتهي عذرهم إذا شفاهم الله.
3- الفقراء الذين لا يجِدون ما ينفقون منه على أنفسهم إذا خرجوا للجهاد ولا ما يكفي عيالهم.
ليس على الضعفاء العاجزين عن القتال لعلّةٍ في تكوينهم، أو شيخوخة تقعهدهم، ولا المرضى الذين لا يستطيعون الحركةَ والجُهد، ولا المعدمين الذين لا يجدون ما يتزودون منه- أيُّ حَرجٍ إذا تخلفوا عن المعركة، وقلوبهم مخلصة لله ورسوله.
{مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ليس على المحسن في عمله وإيمانه أية مؤاخَذة ولا مسئولية، فالله كثيرُ المغفرة، واسع الرحمة يستر على المقصر في أداء واجبه ما جام مخلصة لله والرسول.
نزلت هذه الآية في ابن أُم مَكتوم، واختُلف في اسمه أهو: عبد الله أم عمرو بن قيس بن زائدة وكان هذا ضريراً جاء إلى الى رسول الله فقال: يا نبيّ الله، إني شيخ ضرير ضعيف الحال وليس لي قائد، فهل لي رُخصة في التخلّف عن الجهاد؟ فسكت النبي الكريم فأنزل الله {ليس على الضعفاء ولا على المرضى...} الآية.
{وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ}.
كذلك لا حرج ولا مسؤولية على القادرين على الحرب، لكنّهم لا يجدون الرواحِلَ التي تحمِلُهم إلى أرض المعركة، واذا جاؤك يطلبون منك العون لتؤمَِّ لهم ما يركبون لم تجد أنت أيضاً ما تحمِلُهم عليه، فانصرفوا من عندك وهم يبكون، لأنهم حُرموا من الجهاد ولم يجدوا ما يُعينهم عليه.
هؤلاء هم البكّاؤن نزلت فيهم الآية وهم سبعة أشخاص: عبد الرحمن بن كعب، وعليه بن زيد، وعمرو بن ثعلبة، وسالم بن عُبيد، ومَعْقل بن يَسار، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وعبد الله بن مغفل... جاؤوا إلى الرسول الكريم فقالوا: يا رسول الله، احمِلنا فانه ليس لنا ما نَخرج عليه، فقال: لا أجدُ ما أحملكم عليه.
وهناك روايات اخرى.
{إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
انما اللوم والمسؤولية على هؤلاء الذين يطلبون الإذنَ في القعود عن الجهاد، وهم أغنياء قادرون على الخروج معك، لكنهم مع قدرتهم رضوا بأن يقعدوا مع المخلفين من العجزة والمرضى. هؤلاء ختم اللهُ عل قلوبهم فأغِلقت عن الحق، فهم لا يعلمون حقيقة أمرِهم، ولا سوءَ عاقبتهم في الدنيا والآخرة.


عالم الغيب: كل ما غاب عنا علمه. والشهادة: ما نشهده ونعرفه. إذا انقلبتم اليهم: إذا رجعتم اليهم رجس: قذر يجب تجنبه.
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ}.
سعيتذرُ إليكم أيها المؤمنون المجاهدون هؤلاء المتخلِّفون المقصّرون، عند رجوعكم من ميدان الجهاد.
{قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ}.
قل لهم أيها الرسول: لا تعتذِروا، فإنّا لن نصدّقكم. ثم بيّن الله السببَ في عدمٍ تصديقهم فقال: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ}.
فالله قد كشف حقيقةَ نفوسِكم وأوحى إلى نبيّه بعض أخباركم التي تُسِرّونها في ضمائركم.
{وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وسيرى اللهُ عملَكم ورسوله فيما بعد، ثم يكون مصيرُكم بعد الحياةِ الدنيا إلى الله الذي يَعلم ما تكتُمون وما تُظهرون، فيُخبرك بما كنتم تعلمون، ويجازيكم عليه.
ثم أكد ما سبق من نفاهم بقوله: {سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ}.
سيؤكد لكم اعتذارَهم بما يحلِفون بالله لكم من الأيمان الكاذبة بأنهم صادقون في معاذيرِهم، إذا رجعتم من سفرِكم في غزوة تبوك، لكي يُرضوكم فَتغْفلوا عن علمهم... لا تحقِّقوا لهم هذا الغرض.
{فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ}.
فاجتنِبو وامقُتوهم.
روى مقاتل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال حين قدِم المدينة «لا تُجالسوهم ولا تكلّموهم، إنهم رجس» فهم في أشد درجات الخبث النفسي والكفر.
{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
ومصيرهم إلى جهنم، عقاباً على ما اقترفوه من نفقا وكذب.
ثم ذاد في تأكيد نفاقهم فقال: {يحلِفون لكم لتَرضوا عنهم} أي إنهم سوف يحلفون لكم طمعاً في رضاكم عنهم، لتُعاملوهم معاملة المسلمين.
{فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين}.
فان خُدعتم بأيمانهم ورضيتُم عنهم، فإن هذا لا ينفعُهم، لأن الله ساخطٌ علهيم لِفسْقِهم ونفاقهم، وخروجهم على الدين.
روي عن ابن عباس ان هذه الآيات نزلت في الجدّ بن قيس بن قشير واصحابه.
من المنافقين، وكانوا ثمانين رجلاً امر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين لَمّا رجعوا إلى المدينة أن لا يجالسوهم لا يكلّموهم.
وهكذا قرر الله العلاقات النهائية بين المسلمين والمنافقين، كما قررها من قبل بين المسلمين والمشركين، وبي أهل الكتاب والمسلمين، وكانت هذه السورة العظيمة هي الحكم النهائي الأخير.


الأعراب: سكان البادية من العرب. مَغرما: غرامة الدوائر: مفردها دائرة المصيبة. قربات: واحدها قربة، طلب الثواب، والكرامة من الله. صلوات من الرسول: دعوات منه.
كان يجاور المؤمنين السابقين المخلصين من المهاجرين والانصار، جماعاتٌ اخرى: الأعراب: وفيهم المخلِصون والمنافقون؛ والمنافقون من أهل المدينة، وقد كشفهم الله تعالى بهذه السورة المباركة؛ وآخرون خلطوا عملا صالحا ولآخر سيئا ولم ينصهِروا في بوتقة لاسلام تماما؛ وطائفة مجهولة الحال لا تُعرف حقيقة مصيرها، أمرُها متروك لله؛ ومتآمرون يتستّرون باسم الاسلام، ويدبّرون المكايدّ ويتَّصِلون بأعداء الإسلام في الخارج. والقرآن الكريم يتحدث عن هذه الجماعات كلِّها باختاصر مفيد، ويقرر كيف يجب ان تُعامل هذه الجماعات.
وهو يقسِم الناسَ على أساس التقوى والإيما الخالص بالله والعملِ الصالح، فقد تحدّث عن أحال العرب مؤمنيهم ومنافقيهم، وبيّن في هذه الآيات الثلاثِ أحوالَ الأعراب مؤمنيهم ومنافقهم فقال: {الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
الأعراب من أهل البادية اشدُّ ونفاقا من أمثالهم أهلِ الحضر، لأنهم يقضون جُلَّ أعمارهم في البادية يخدمون مواشيَهم وأنعامهم، بعيدين عن أهل العلم والحكمة. وهم حقيقون أن يجهَلوا حدودَ الله، وما أنزلَ على رسوله من شرائع واحكام، واللهُ عليم حكيم، واسعُ العلم بشئون عباده وأحوالهم، حيكم فيما يقدِّره من جزاء ومن نعيم.
وقد وردت أحاديث كثيرة تشير إلى جَفاء الاعراب، وغِلْظَتِهم، وبُعدهم عن الآداب والمعرفة. قال ابن كثير في تفسيره: جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان، أحدِ التابعين العلماء الشجعان، وقد شهِد الفتوحَ وقُطعت يده في نَهاوَنْد، فقال له الاعرابي: واللهِ إن حديثك لَيُعجبني، وإن يَدك لتُريبني. فقال زيد: وما يريبك من يدي، إنها الشَّمال! فقال الاعرابي: واللهِ ما أدري اليمينَ يقطعون أو الشمال فقال زيد بن صوحان: صدق الله ورسوله: {الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله على رَسُولِهِ}.
وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من سكنَ الباديةَ جفا» وهناك روايات كثيرة تكشف عن طابَع الجفوة والفظاظة في نفوس الأعراب حتى بعد الاسلام.
وبعد هذا الوصف العام للأعراب يقسِمهم القرآن قسمين فيقول تعالى: {وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
هنا بدأ بذِكر المنافقين من الأعراب، لأن الحديث أصلاً كان من المنافقين عامة. ومعناه: إن بعض المنافقين من اهلا البادية يعتبرون الإنفاق في سبيل الله غرامةً وخسرانا، فالرجل منهم مضطر لأن ينفقِ من ماله في الزكاة وغيرها تظاهراً بالإسلام وهو كاره لذلك.
وهو لا يفعل حُبّاً في انصار الإسلام والمسلمين، وإنما ليستمتعَ بمزايا الحياة في المجتمع المسلم.
ومثلُ هذا المنافق البدوي ينتظِر متى تدور الدوائر على المسلمين، فعليه وعلى أمثاله وحدهم ستحلّ دائرة السَّوء والمصيبة. ان الشر ينتظرونه لكم، أيها المسملون سيكون محيطاً بهم، فاللهُ سميع لما يقولون عنكم، عليمٌ بأفعالهم ونيّاتهم تجاهكم.
وبعد اؤلئك الأعراب المنافقين، يذكر الكتابُ حال المؤمنين الصادقين ممن خالطت قلوبهم بشاشةُ الإيمان: {وَمِنَ الأعراب مَن يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ الله وَصَلَوَاتِ الرسول ألاا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
أما المؤمنون بالله واليوم الآخر، والّذين يتخذون الانفاق في سبيل الله وسيلةً يتقربون بها إلى الله، وسبباً لدعاء الرسول لهم اذ كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم فإن ما ينفقونه في، الخير وصلوات الرسول عليهم- قُربةٌ عظيمة قد تقبّلها الله وأثاب عليها، وسيُدخلُهم في رحمته الواسعة، فهو وساع المغفرة لمن يخلصون في أعمالهم.
قراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {السوء} بضم السين. والباقون: {السوء} بفتح السين. وقرأ ورش واسماعيل عن نافع: {انها قربة} بضم القاف والراء والباقون: {قربة} باسكان الراء.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13